دموع العودة
مصطفى احمد الهسي
العمر / 18 عاما
الدمعة الأولى
حين جاء أبي يركض من البيارة حافي القدمين، العرق ينز كنجمات صغيرة في وجهه، وصار ينادي على أمي بصوت عالي: هيا اجمعي الأولاد، الجنود في كل مكان، حاولي أن تجمعي أكبر قدر من الأشياء والأوراق، ولا تنسى قطعة الذهب، قد تنفعنا... التفتت أمي ناحيتي، ومدت يدها وألبستني قطع الذهب (الإسوارة) وحملتني وحملت أخي الصغير، وخرجت من المنزل ووقفت على عتبة البيت، كان أبي يجهز حصانه ويشد عليه عربته، ووضعتنا على العربة، وصار الحصان يركض بنا وصرنا نطير من مطبات الطريق الترابية، كلما تقدم في الهروب من الجنود، صار جيراننا يركبون معنا على عربة الحصان، كنا أربعة وبعد مدة صرنا عشرين شخص، كدنا نموت من الاختناق، الحصان كان وفياً جدا، ظل يركض بنا ويضبح حتى وصلنا لمكان به تلة رمال كبيرة، عرفت فيما بعد أنه مدخل قطاع غزة، الحصان توقف لم يتقدم إلى متر واحد، نزل أبي عنه وصار يشد به، لكن دون جدوى، هبط الحصان على الأرض، لكن بعد فترة وضع رأسه الكبير على التراب وصار يتنفس بقوة، ثم مات، صرت أبكي على الحصان...
الدمعة الثانية
كبرنا في المخيم، وكبر المخيم داخلنا، وصارت الشوارع تهرم والعجائز والشيوخ يزدادون تجاعيد، والناس تجلس كثيرا أمام البيوت ينتظرون أملا، دخل أخي يحمل حقيبة، نظر أبي ناحيته قائلا: ماذا تحمل، رد: أريد أن أسافر، الخبز هنا صار ناشف وقليل، سأبحث عن مكان جديد.. لم يرد أبي وظل ساكت، أمي كانت واقفة وجلست على الكرسي كأنها انهارت، فخرج أخي من البيت، ولم يعد طويلا، بكيت مرة أخرى فتذكرت الحصان