الجميل في خيال وحيوات الأطفال
مؤسسة فلسطينية تبحث عن الجميل في خيال وحيوات الأطفال
إبراهيم درويش (*)
القدس العربي (لندن): 2003/12/23
يكتب الاطفال تحت الاحتلال، قصصا حقيقية ومشاهدات عن ولد الشيقل الذي يستشهد وهو يقوم بحراسة سائق سيارة يعبر شوارع رفح خوفا ان يستهدفه قناصة الجيش الاسرائيلي. ويكتب الاطفال عن حيواتهم المشوشة، واحلامهم الكبيرة، وعن الموت ويرسمون احلاما مفعمة بالالم، ويبدو الاطفال حكاياتهم الهزلية اكثر حزنا ، فميكي ماوس قد يتحول الي قنبلة مفخخة، وضعها الجنود في طريقهم للمدرسة.
وما يميز كتاباتهم انها غير شعاراتية. فهم يتحدثون عن اشياء يومية، عن الولد الذي لم يكتب واجبه المدرسي بسبب انقطاع الكهرباء. والي جانب هذه الكتابات الحزينة، هناك صور مفعمة بالامل عن التاريخ المجيد للفلسطينيين، وعن الحكايات الشعبية وعن الحفاظ علي البيئة التي يريدها الاطفال جميلة علي الرغم من الالات الجرافات الاسرائيلية وعمليات المصادرة لاراضيهم.
وهذه مؤسسة فلسطينية تقوم بدور بارز بدعم القراءة في المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال، ومكافحة الامية المقنعة. ولكن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي تقوم بدور اكبر في دفع اجيال فلسطينية تحت الحصار للكتابة والابداع والتعبير عن ضغط الوقت الذي يتعرضون له، علي الحواجز، او نتيجة لظروف الاغلاق المستمرة. وهي بالضرورة مشروع طموح ومثمر، قدم الكثير لمكتبة الطفل العربي واليافعين بشكل عام، فقد اصدرت المؤسسة اكثر من كتاب تعليمي، وقصة ابداعية كتبها مبدعون فلسطينيون وترجمت العديد من كتب التراث العالمي في مجال الكتابة للاطفال واليافعين.
وتقوم المؤسسة التي انشئت اثناء الانتفاضة الاولي عام 1989، بدور هام في تأهيل الكوادر الابداعية، وتعقد ورش عمل للكتاب الفلسطينيين والاطفال في مجال الكتابة الابداعية للاطفال.
جانب اخر من عمل هذه المؤسسة الريادية انها تقوم بتفعيل مؤسسات القراءة وحض الاطفال واليافعين علي القراءة والمشاركة في فعاليات ثقافية. وهي بهذا تقوم بطور طليعي لتربية الحس الوطني والثقافي والتركيز علي البعد الانساني في المأساة الفلسطينية. اذ ان مجموعات واصدارات الدار تشير الي حس خاص بعيد عن مباشرة الفعل الثوري وخطابه المباشر، وتتحدث عن تجارب اطفال يرسمون العالم ويتخيلونه بحسب الظروف التي يعيشونها او المفروضة عليهم.
وتفصح الكتابات في الكثير من تفاصيلها عن وعي بالتجربة التاريخية والنضالية لشعبهم وخصوصية تجربتهم. وتقول مديرة المؤسسة جيهان الحلو ان المؤسسة تقوم بتعليم ابناء فلسطين، بطريقة غير مباشرة، فهي مؤسسة تعمل خارج الاطار التعليمي الرسمي، مع انها تتعامل الآن مع المؤسسات التربوية، حيث اختارت وزارة التربية عددا من الكتب في مقررات القراءة العامة اعدتها مؤسســـة تامر.
وتتــوزع اهتمامات المؤسسة كما تقول الحلو علي الاطفال واليافعين والاحداث كما انها بدأت بتقديم العديد من الكتب والمنشورات التي تدعم فكرة العناية بالذين يعانون عجزا جسديا دائما المعوقين وتقوم الكتب التي تعدها الدار او تترجمها بالعناية بمشاكل واحتياجات هذا القطاع الذي لا يزال محروما في المجتمع العربي بطريقة مباشرة تبتعد عن الوعظ والمباشرة.
ولدي المؤسسة مركز موارد يحتوي علي مواد تعليمية وكتب للاطفال تساعد الباحثين او الكتاب والاطفال عامة. كما قامت بدعم وتفعيل اكثر من 70 مكتبة في كل انحاء فلسطين. ولدي المؤسسة العديد من الحوافز لتشجيع القراءة، مثل حملة تبرع بكتاب التي تشجع السكان علي التبرع بالكتب التي قرأوها وتوزيعها علي اطفال لم تتح لهم فرصة قراءتها. ومن الحوافز الاخري لدي المؤسسة، فكرة جواز السفر حيث يحصل الطفل علي جواز سفر بعد اتمامه قراءة مجموعة من الكتب. وقالت الحلو ان اختيار الجواز له رمزية لان الفلسطيني يعاني من الحرمان من الجواز. ويقول احد الاطفال انه قدم جواز سفر القراءة للجندي الاسرائيلي عندما سأله عن هويته عند احد الحواجز.
تتركز ثيمات المؤسسة علي فكرة تعزيز التعليم والقراءة والكتابة الابداعية، حيث يشجع الاطفال علي كتابة تجاربهم ورسمها. وداخل هذا الطموح تريد المؤسسة ايضا تعزيز الهوية الوطنية عبر التأكيد علي التراث واهمية الحكي والحكاية الشعبية.
ولدي المؤسسة فكرة جميلة عن القارة الصغيرة ، اذ يصبح الوطن قارة صغيرة يقوم الكتاب او الرحالة باجتيازها ورسم مشاهدها. وفي اتجاه تعزير الكتابة الابداعية عند الاطفال اصدرت المؤسسة الجزء الاول من سلسلة كتابي الاول واحتوي علي قصص حكاها ورسم مشاهدها الاطفال، وفي الحكايات صور عن اليومي، والانساني، والساخر والجميل في حياة الاطفال الفلسطينيين. فهناك صور الحواجز، والدبابات، وقصص انسانية عن البخل وعاقبة البخل، وعناوين اخري عن شخصيات تلفزيونية اكتسبت طابعا محليا. وتشارك المؤسسة كما تقول الحلو الان بتوفير العديد من الكتابات التاريخية المبسطة والكتب المساعدة، التي تحتوي علي خرائط وصور.
وعبر تدريب الاطفال علي الكتابة والتعامل مع الكتاب او الكمبيوتر، تقوم المؤسسة ايضا بتشجيع الاطفال علي التفكير النقدي، والابتعاد عن فكرة التلقين. وتعترف الحلو بالمصاعب التي تلاقيها المؤسسة من ناحية توزيع المواد التعليمية، او نقل الكتب، ومن الناحية المادية، اذ ان المؤسسة تعتمد علي الدعم الدولي، ولكنها حتي الان رفضت الدعم الامريكي المشروط الذي يقوم بربط الدعم يو اس ايد بعدم استخدام الاموال هذه في دعم الارهاب . ولم تتلق المؤسسة الدعم الكبير من المؤسسات العربية.
وتري ان انتاج الكتب والاصدارات تطور، مع ان الكاتب الفلسطيني والعربي، يحتاج الي التعرف علي عالم الاطفال قبل الكتابة عنه. فالمبدع اي مبدع لا يعني بالضرورة انه كاتب اطفال، وكذا الفنان اي فنان لا يعني انه رسام جيد وشارح جيد وبالصور لكتب الاطفال. وتري الحلو ان الكتابة الابداعية للاطفال تطورت نوعا ما، وكذلك الرسومات التي اصبحت اكثر تأثيرا.
ومن اجل تأكيد تواصل الطفل مع القراءة، حيث تصبح القراءة في حد ذاتها رحلة امتاع، وعليه تهتم المؤسسة بكتب المغامرات والكتب التي تشجع علي الحفاظ علي البيئة والاهتمام بها.
ونظرة سريعة الي عناوين المؤسسة تلاحظ توزع وتنوع المناحي التي تقوم بنشرها والاهتمام بها، فهناك تاريخ شفوي، وتاريخ جغرافي استطلاعي يؤكد ويركز حب الاستطلاع لدي الاطفال، كتب تعليمية، اشعار مكتوبة للاطفال واليافعين، كتب مبسطة ومساعدة.
واستعانت المؤسسة ايضا بعدد من الكتاب من الخارج الذين رعوا حلقات كتابة ابداعية.
تتحدث جيهان الحلو عن الدافع الحقيقي وراء انشاء هذه المؤسسة الشعبية، حيث تقول انها جاءت نتاجا لواقع الانتفاضة، واثر الاحتلال علي المؤسسات التعليمية، حيث بدأ السكان بالبحث عن وسائل اخري لدعم التعليم الرسمي المتضرر، من خلال التعليم الشعبي. ومن هنا بدأت المؤسسة كرد فعل علي الوضع الذي افرزته الانتفاضة. وبدأت تامر برعاية حملة القراءة، واسبوع القراءة السنوي.
مؤسسة تامر تحاول انشاء جو خاص وصحي للقراءة، يعمل علي تحبيب القراءة للاطفال واليافعين ولهذا تقوم بمشاريع شراكة مع مؤسسات فلسطينية وتربوية للقيام بهذه المهمة.
اضافة للمشاريع الاخري، تقول جيهان الحلو ان المؤسسة رعت ايضا مشروع اليراعات حيث قام الاطفال واليافعون بادارة صفحة اسبوعية في واحدة من صحف فلسطين، يقدم فيه الاطفال انتاجهم الادبي والابداعي ويشرفون علي تحريره. وتشير الحلو في هذا السياق الي ان مشاركة الاطفال الابداعية في الكتابة والتحرير تجعلهم جزءا من الكتابة ومراحل لانتاج، وتري ان ورش العمل التي قامت بها المؤسسة ساعدت كثيرا علي تربية جيل من الكتاب الذين استفادوا من زيارات كتاب وكاتبات اطفال، مثل الكاتبة بيفرلي نايدو الكاتبة الجنوب افريقية، حيث قدمت عددا من القراءات للاطفال والاحداث. وقد ترجمت مؤسسة تامر كتابين لنايدو سلسلة من نار ، و رحلة الي جوهانسبيرغ .
وقالت نايدو في كلمـة لها اثنت علي قرار المجلس العالمي لكتب اليافعين اي بي اي قبول فلسطين العضو رقم الـ 65 وقالت فيها انا واحدة من الكتــــاب البريطانيين الذين سنحت لهم الفرصة لزيارة فلسطين والتـــــعرف علي معني وكيفية الحياة تحت الاحتلال، لقد كنت هناك مع زوجي وكانت التجربة بمثابة الصدمة لكلينا... وعندما قرأت بعضا من كتاباتي امام طلبة المدارس هناك وعملت مع مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، ازدادت حيرتي وكبر في ذهني سؤال واحد كيف يستطيع هؤلاء الناس مواصلة الامل؟ بينما هم محرومون من حرياتهم الاساسية بطريقة من شأنها تدمير اي امل لديهم .
المهمة التي تقوم بها المؤسسة كبيرة وطموحة خاصة ان الطرف الاخر الاسرائيلي يؤكد كثيرا علي ادب الاطفال ويقوم بتكريس العديد من النمطيات في ذهن الاجيال الجديدة عن العربي، والفلسطيني. كما انها تعمل في مناخ صار فيه الحديث عن التاريخ او المقاومة نوعا من الحض علي الكراهية . ولهذا السبب خاضت المؤسسة معركة طويلة استمر اكثر من ثمانية اعوام للانضمام للمجلس العالمي لكتب اليافعين اي بي اي ، حيث تم قبول المؤسسة كعضو دائم.
ومؤسسة الكتاب العالمي هذه مخصصة لدعم القراءة في المناطق التي تعاني من ظروف احتلال. وفي البداية رفض دخول المؤسسة الفلسطينية علي خلفية ان فلسطين ليست بلدا مستقلا مما يطعن في فكرة المجلس نفسه الذي يعتني بمجتمعات تعاني من ظرف احتلال. ومن هنا فالجهد الذي تلعبه هذه المؤسسة الوطنية، وكما قالت شيرين بانديت في مقال نشرته في بوكس فور كيبس (اي كتب للحفظ) هو اقوي من السيف .
تلعب العناوين والقصص التي تصدرها المؤسسة او تترجمها علي فكرة الامل، التعاون والانسانية، وعلي تحفيز خيال الاطفال بعيدا بعيدا وابعد من المخيم او القرية او المدينة المحاصرة، ولكنها تدعوهم للتعبير وبصدق عن عالمهم الحزين. وفي بعض الاعمال هناك تركيز علي تكافؤ الفرص بين الجنسين. الجميل في جهود تامر انه وبعيدا عن احياء روح القراءة لدي الفلسطــينيين المعروفين بحب التعليم، انها تقوم بتغيير الكثير من المفاهيم المجتمعية عن القراءة الحرة التي تعتبر خارج المقرر الدراسي، مضيعة للوقت .
من العناوين التي اصدرتها المؤسسة وما نسينا لسليمان ناطور، و من سيغني للياسمين ، و الهم الكبير ، و يوم في الاحلام و الاوراق السعيدة ، و بكرة احلي ، و سماء حمراء في الصباح ، و شيء آخر ، و حساء التنين . كما اصدرت الدار عملا كتبته الفلسطينية هنرييت سكسك عن الحصان العربي منذ اربعين عاما بالانكليزية، الاصايل الخمسة ، وصدرت قبل اسبوع ترجمة لرواية ايرلنــدية تحت شجرة الزعرور من تأليف مارينا كونلون ـ مكينا عن مجاعة ايرلندا وحكاية القصة عبر ثلاثة اطفال نجوا منها. والكتاب من اكثر الكتب رواجا ومن الكتب الكلاسيكية للفتيان.
جيهان الحلو، ولدت في حيفا، فلسطين، ودرست في الجامعة الامريكية، وحصلت علي ماجستير في العلوم السياسية، كما درست لفترة في كلية بيركبيك التابعة لجامعة لندن.
وعملت رئيسة لاتحاد المرأة الفلسطينية، قبل ان تصبح المديرة العامة لمؤسسة تامر عام 2000. بقي ان نقول ان اسم تامر مستوحي من تمر ، فهو الذي يقوم بنقل البذور من نخلة الي اخري بهدف اخصابها وتحسين انتاجها.
والتمر يـظل رمزا من غنيا في التراث العربي الاسلامي ، فهو مصدر غذاء ومصـــدر قوت روحي. ومــــــع تامر هناك شعار شقيــــــقة النعمان التي تخترق البرية المتحجــرة، وفي الاسم والشعار انعكاس لطريقة تغيير المجتمعات، ودور الفتيان في اختراق الصعوبات وتغيير عقلية المجتمع الذي يعيش فيه.
(*) كاتب من اسرة القدس العربي
للمزيد من المعلومات عن مؤسسة تامر واصداراتها يمكن الدخول علي موقع الانترنت التابع لها:
او الكتابة علي العنوان التالي:
مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي
رام الله، ص.ب 1973، فلسطين
البريد الالكتروني:
E-mail: tamer@palnet.com
أدناه المقابلة كما نشرت في القدس العربي