سانتا كلوز في بغداد
سانتا كلوز في بغداد ..كاتبة اميركية تكتب ثمانية قصص من ثمانية بلدان عربية – مايا أبو الحيات(فلسطين)
خاص ـ موقع الجسرة الثقافية الاخبارية الالكترونية ــ مايا أبو الحيات ـ ثمانية قصص من ثمانية بلدان عربية، توجهها الكاتبة إلسا مارستون لأطفال عرب وغربيين كما هو مُبين في كتابها “سانتا كلوز في بغداد” مجموعة قصصية لليافعين تأليف إلسا مارستون (أمريكا) وترجمة سمر قطب (فلسطين) صدرت عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي-فلسطين 2013، حيث تطرح تساؤلا يبدو مدخلا أساسيا لقراءة وفهم هذه المجموعة، “كيف هي الحياة لفتيان وفتيات يكبرون عربا في حياتنا هذه؟” سؤال تريد من خلاله الكاتبة استحضار ودغدغة الصورة المتخيلة عن حياة هؤلاء الفتيان والفتيات في البلدان العربية، وكسر الصورة المنمطة في عقول وقلوب القراء واليافعين الغربيين حول الحياة في الوطن العربي.
تحاول الكاتبة أن ترسم صورا جديدة عن طريق نقل واقع أطفال عرب يعيشون في ظل ظروف وصراعات مختلفة من حيث الواقع الاجتماعي والديني والسياسي والصراعات الإقليمية إيضا، مع إبراز هام للقضية الفلسطينية وحصار العراق وواقع المخيمات الفلسطينية في المدن العربية.
وهي من خلال رسالتها المباشرة في بداية الكتاب تحمّل قصصها رسالة واضحة وهي: أن الفتيان والفتيات وإن اختلفوا في الجغرافيا والسياق التاريخي والسياسي إلا أنهم عربا وغربيين سيبدون مألوفين بما يطمحون إليه وما يريدونه، وهو كما تنقله الكاتبة في ذات المقدمة “بيت آمن وعائلة محبة وأصدقاء جيدون ومعلمون يهتمون بمستقبلهم وفرص للتعبير والنمو والامل بمستقبل أفضل”
القصص التي جاءت من العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، ومصر، وتونس، والأردن ومخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، جاءت مليئة بالصراعات التي تبدو ظاهرة في كل القصص وإن لم تكن هي المحور الأساسي لسير القصة دائما. صراعات طبقية كما في قصة يد فاطمة (من لبنان) والخط المرسوم (من مصر) وصراعات سياسية ودينية واجتماعية كما في قصة وجوه (من سوريا) وقصة حقل الزيتون (من فلسطين) وقصة شرف (من الاردن) وصراعات داخلية تبحث في الفن والحياة الإنسانية والحب كما في قصة الخطة (من مخيم اللاجئين في لبنان والتي يبدو طبعا فيها الصراع السياسي أيضا) وقصة مشاهد في مسرح يوناني (من تونس)
تستطيع أن تتلمس في جميع هذه القصص تناقضات المجتمعات العربية الدينية والسياسية والاجتماعية والتي بدت أحيانا مفتعلة ومبالغا فيها، الأمر الذي لم يضعف من أهمية طرحها خاصة إن كنا واعين لرسالة الكاتبة التي تم ذكرها مسبقا.
معظم الشخصيات أبطال القصص هم لفتيات وفتيان بسن 13-16 عاما، ينتمون على الأغلب إلى عائلات من الطبقة الوسطى ذات المستوى الجيد من الثقافة، معظمها عائلات ليبرالية وإن كانت متدينة أحيانا، فهي ليست متعصبة بشكل واضح لدين ما. وحتى عند ظهور عائلة تحتكم للعادات والتقاليد (وإن بدت متدينة في مظاهرها العامة (كما في قصة الشرف من الأردن) ) إلا أنها تترافق في القصة مع وجود عائلة ليبرالية علمانية تتخذ دور المتفهم والمساعد على تغيير الأحداث بصورة إيجابية.
الأبطال الذين يُسيّرون أحداث هذه القصص هم فتيان وفتيات إيجابيون (جدا أحيانا) لا يطلقون أحكاما مطلقة ولا يرفضون وجود الآخر ولا يحكمون على الآخرين بناء على مظاهرهم الخارجية ولا يهتمون كثيرا للأشياء المادية، وقد يشعر المرء أحيانا أنهم أطفال غربيون، خاصة حين ينظرون إلى الأمور التي من المفترض أنها بديهية في الوطن العربي كما لو أنها تحدث معهم لأول مرة (كما في قصة الوجوه من سوريا مثلا) حيث كان من المبالغ فيه أن ينظر طفل في سن الثالثة عشرة إلى ثلاث نساء منقبات في السوق، باستغراب واندهاش كبيرين، وأن يتساءل سؤالا لا يبدو منطقيا لطفل يعيش في سوريا ولا بد أنه يرى مثل هذه الشخصيات كثيرا (تُرى ماذا كان عليهم أن يخفوا أسفل هذه الملابس؟)
في معظم القصص الفتيان والفتيات أبطال القصص هم الذين يعيدون الأمل إلى الواقع الذي قد يكون صعبا ومحبطا من خلال الفعل الدرامي الذي يبادرون هم إلى تنفيذه. هم ليسوا مطيعين بشكل أعمى وليسوا أيضا رافضين أو حادي الطباع، لكنهم يقومون بأفعال _وإن بدت صغيرة_ إلا أنها تعيد بث الأمل والعدل في سياق حياتهم وحياة المحيطين بهم. وغالبا ما يظهر ذلك في النهايات التي تبدو مليئة بالأمل وإن لم تكن مفرحة دائما، إنها شخصيات لا تصارع بشكل حقيقي لا تخوض نقاشات ولا ثورات حادة هي في معظم الأوقات تراقب وتستيجب وتحاول أن تقدم المساعدة.
في معظم القصص استحضار كبير للثقافة العربية والعادات والتقاليد والأكلات العربية وطبيعة العلاقات داخل الأسرة (وإن بدت هذه العلاقات متآلفة أكثر من اللازم). لا يوجد أي شخصية منفرة أو سلبية في القصص فجميع الشخصيات مهما اختلفت ثقافتها وانتماءاتها الدينية، هي شخصيات متسامحة ومتفهمة في نهاية الأمر، الأمر الذي دفعني إلى التفكير طويلا كقارئة عربية بما أريده حقا أن يصل إلى القارئ الغربي عن واقع الحياة المعاشة في المدن العربية وعن الصراعات التي تواجه الفتيان والفتيات العرب.
في قصة سانتا كلوز في بغداد (قصة من العراق) تتقاطع قصة الأستاذ كريم بقصة عائلة الطالبة آمال الأستاذ كريم (الذي يمثل الجانب المثقف العراقي الذي غادرها بسبب الحصار وسوء الاحوال الاقتصادية منذ الحصار الذي فرض على العراق في العام 1991 )
الجميع ينتظر عم أمال الذي سيأتي في زيارة من ” أمريكا” إلى العراق في انتظار ما سيجلبه معه من أشياء غير موجودة في ظل الحصار، هذه الأشياء التي تختلف باختلاف طالبيها، فالأم تنتظر الفيتامين والدواء بينما يريد الطفل “الشاحنات والسيارات .. ” وتريد آمال شيئا أكثر بهجة من فيتامينات وأدوية أمها.
ثلاثة عصور تمر على هذه القصة، عصر الجد الذي درس الأدب في جامعة بغداد والذي يمثل عصر النهضة الثقافية في بغداد التي اعتبرت يوما مقاما للثقافة والفنون العربية، ثم عصر عائلة آمال التي باعت معظم ما تملكه لتأمين الحياة اليومية في ظل الحصار من أجل تأمين الأدوية لابنتها المريضة، وعصر آمال التي لا تزال تحلم بأشياء أكثر أملا وهي التي ستعيد النصاب لأحداث القصة. وتأتي رمزية سانتا كلوز (المعلمة تلقت هذه قصة سانتا كلوز كتبرع من إحدى الجمعيات الخيرية) هذه القصة التي ينشر فيها سانتا كلوز الهدايا والسيارات الحمراء وهي أيضا التي ستحدث الانعطاف في القصة، حيث ينظر الطفل إلى الخال الآتي من أمريكا على أنه سانتاكلوز الذي سيزور بغداد، لكن سانتا كلوز العراقي يجلب الدواء والفيتامينات التي تحتاجها الأسرة وتحتاجها آمال المريضة ولا يجلب السيارة الحمراء التي ستجلب الفرح لجيل جديد يريد أن يفرح بألعابه بعيدا عن جدية الكبار، وقد يأتي تردد المعلمة وهي تسأل “هل أخطأت بأنني قرأت لهم هذه القصة؟ ” هذه الجملة التي تثير الكثير من الأسئلة لمعلمة تشعر بالذنب لأنها قرأت قصة تحتوي على الكثير من الأمل، الأمل الذي قد يكون مضللا لعقول الأطفال الصغار في بلد لا فرح فيه إلا للدواء والخبز وحليب الرضع وأساسيات الحياة التي تجعل الحياة ممكنة.
أراد الأطفال تصديق حكاية سانتاكلوز العراقي القادم من أمريكا لكنهم” لم يتمكنوا من ذلك” جملة تثير الفزع من احتمال تصديق الفرح.
إذا لم يأت العم عمر بالسيارة الحمراء أتى بمرطبانات من المربى والأدوية والسرنجات،
الاطفال فقدوا حماستهم وآمال ندمت أنها لم تقل الحقيقة لبلال، الحقيقة الخالية من الأحلام والهدايا والآمال الكاذبة وبلال يصرخ، أريد السيارة الحمراء، أريد ألعابا.
الأب باع كتاب أبيه ليشتري فرح بلال… بسيارة سباق حمراء جعله يصدق أن العم عمر لم يجدها في حقيبته الكبيرة في المرة الأولى ووجدها لاحقا. الكتاب ذاته تختاره آمال بالصدفة كهدية للأستاذ كريم مدرس اللغة العربية الذي سينتقل إلى التدريس في بلد آخر، في رمزية بأن ثروة العراق الفكرية ستظل حية طالمة ظلت محفوظة في قلوب هؤلاء الأشراف الذين وإن غابوا عن العراق فهم سوف يبقون عراقيين.
يجدر الإشارة هنا إلى أن هذه القصة قد تم تحويلها إلى فيلم قصير.
في قصة الوجوه (قصة من سوريا )
يبدو وعي سهيل أكبر من عمره وهو يضقق في الوجوه التي تجلس في الباص ويحلل شخصياتها الرجل السمين والمرأة التي تحرك عيناها في كل الاتجاهات، كل وجه يخفي شيء ما حتى وجهه هو.
سهيل ابن الثالثة عشرة طفل لوالدين منفصلين يحاول أن يغير من حقيقة وفزع هذا الأنفصال ويبحث عن أسباب تجعل حياة أمه التي بدت أكبر من عمرها، بعد خروج الوالد من البيت واضطرارها للعمل لساعات أكبر لتأمين المزيد من المال.
تظهر الطبقات والمذاهب الدينية واضحة في هذه القصة متمثلة بالفكرة التي كان قد كونها سهيل عن عائلة صديقه رأفت المسيحية التي يظن أنها عائلة غنية ومرتاحة لكنه يتفاجئ كونها تسكن بالحي الفقير الشعبي ذي البيوت المتراصة. ومشهد مراقبته للنساء المتلحفات بالأسود والذي يتساءل أيضا إن كان هناك ما يخجلن منه ليغطين وجوههن، بالأضافة إلى العديد من المشاهد التي تتضمن نوعا من الانتقاد الديني والسياسي كمشهد الأب وهو يتمتم لرؤيته ملصق لصورة الرئيس المبتسم والتي تلاحقه في كل مكان حتى في الحمام التركي كتأكيد لفكرة المراقبة (التي تدعي الأبوية)
سهيل الذي يجعل ماما تبتسم بإعداده وجبة عشاء ليست الأعظم لا يحل انفصال أبيه وأمه ولا يحرك الوجوه الخائفة والمتيقظة والمراقبة لكنه يحدث بإمكانياته المتواضعة وجهده الكامل، إبتسامة لن تنسى على وجه أمه المتعب جدا.
وهذه القصة كما توضح الكاتبة في ملاحظاتها الموجودة آخر الكتاب تحاول أن تلفت النظر إلى واقع القوانين الشرعية الخاصة بالطلاق وحضانة الأطفال في الوطن العربي في محاولة لإثارة الجدل حول إيجاد حقوق متساوية لكلا الطرفين.
قصة أخرى مهمة في هذه السياق والتي تشعر أن الكاتبة حاولت أن تجد لها بالقوة حلا لا عنفيا (بالمعنى الغربي للموضوع) لقضية صراع لا يمكن وصفه إلا بالعنيف هي قصة حقل الزيتون من فلسطين.
قصة عن مجاهد فتى من بيت لحم يؤمن بالمقاومة المسلحة، يستشهد أخوه وصديقه فتقرر عائلته إرساله إلى بيت عمته في منطقة “المخفية” للابتعاد عن مناطق التماس. وهناك يجد مجاهد نفسه في صراع من نوع آخر وهو صراع من أجل قطف الزيتون في حقل جارهم، بعد قيام الجنود الإسرائيليين بمنعهم من ذلك.
في هذه القصة يبدوا أحد الجنود متعاطفا مع مجاهد وعائلته بشكل غير منطقي للقارئ الفلسطيني على الأقل، خاصة وهو يكرر جملة “هذه ليست فكرتي أنا، أنا في الحقيقة لا أريد أن أقطع هذه الأشجار، أنا فقط أنفذ الأوامر” ثم يبدو الجندي أكثر ترددا وتعاطفا وهو يحاول حثّ مجاهد على الرحيل لأن شيئا سيئا سيحدث إن لم يفعل.
أعتقد أن الكاتبة أضطرت أحيانا كما في هذه القصة وكما في قصة شرف (من الأردن) إلى طرح واقع لا يحدث في الواقع، من أجل خدمة رسالتها التي عبرت عنها بوضوح في أول الكتاب وهي رسم صورة جديدة عن واقع الفتيان والفتيات العرب الذين يعيشون صراعات من هذا النوع، أو لنقل نقل صورة مغايرة للحقيقة والواقع الذي لن يكون دائما على هوى القراء الفتيان الغربيين على الأقل، فقد حاولت الكاتبة في قصة حقل الزيتون أن تجد لمجاهد مخرجا أخلاقيا تجعله يتقبل فكرة عدم مشاركته في المقاومة المباشرة التي أدت لاستشهاد صديقه نوار، وهو إدراكه بأنه يستطيع فعل أشياء أخرى ترضي الله وتكون فعلا مقاوما مثل قطف الزيتون، وهي جملة أرى أن الكاتبة كانت مجبرة على إقحامها في القصة لتجد حلا سلميا لصراع لا يمكن إلا أن يكون عنيفا وأن يثير الكثير من الأسئلة الأخرى.
وهنا أجد أنني مضطرة لطرح هذا السؤال ”ما هي الصورة التي نريد أن ننقلها للغرب عن أنفسنا إن كانت هذه القصص موجهة للغرب على وجه الخصوص؟ هل من المبرر أن يتم تجميل الواقع وتلطيفه فقط لأن القصص موجهة لليافعين مثلا؟ هل سيؤدي هذا إلى فهم أكبر للمشاكل التي تحدث فعلا في الوطن العربي؟ ألا يمكن أن يخرجها هذا من سياقها الحقيقي ويحدث المزيد من سوء الفهم؟
أسئلة متروكة للكتاب العرب الذين يستهدفون فئة اليافعين واليافعات تحديدا، وإن كانت أسئلة تعنى بالكتابة الأدبية بشكل عام أيضا، الكتابة الموجهة للتغيير… إن كان هناك ما يمكن تسميته كذلك.
= = =
(*) كاتبة ورائية فلسطينية